سُئل حكيم الصين (كونفوشيوس) عن أول عمل سيقوم به إذا ما كُلف بأمر البلاد؟ فأجاب: “إصلاح اللغة بالتأكيد”، وحين سئل عن السبب قال: “إذا لم تكن اللغة سليمة فما يقال ليس هو المقصود”، وهذه الفلسفة الحكيمة تؤكد أن الخطوة الأولى في تعزيز وضع اللغة العربية مجتمعيًّا، والنهوض بها علميًّا، والارتقاء بها سياسيًّا هي الانطلاق من نقطة ارتكاز تسمى الأمن اللغوي.
مفهوم الأمن اللغوي
الأمن اللغوي مطلب مهم، فبه تستقيم الألسنة، ويعتدل التركيب، ويرقى الأسلوب، ويجمُل الخط، ويصح الإملاء، ويبِين المعنى ويقوى المبنى ويُعرَب الكلام ويَعجِبُ النظم ويَفصُح المقال. لكن الوصول إلى الاستقامة والاعتدال، والصحة والفصاحة والرقي والجمال، والإبانة والقوة، والإعراب والإعجاب ليس مطلبا هينا، فهل ركبت البحر؟
الأمن اللغوي يرتبط بقيمة وجدانية تتصل بعلاقة الإنسان بجذوره، وهويته، ولغته. وبقدرته على الحفاظ عليها، وأمنه من اضمحلالها أو تراجعها أو انقراضها، فبتحقق هذه القيمة الوجدانية يتحقق سبب من أسباب استقرار المجتمع وسعادته، وهو الأمن بمفهومه الشامل.
الأمن اللغوي مصطلح يحمل من الواقعية الشيء الكثير، مصطلح لا يمكن الاختلاف عليه، فالأمن مطلب، واللغة كذلك. والأمن أساس للحياة الهانئة، واللغة كذلك. والأمن دعامة للمجتمعات المتقدمة، واللغة كذلك.
وكما أن هناك أمنا غذائيا وأمنا مائيا وأمنا سيبرانيا وأمنا مجتمعيا، فيجب أن نسعى جميعا للوصول إلى أمن لغوي.
الأمن اللغوي مصطلح لم يقاربه أهل اللغة من قبل في توصيف العمل الجمعي للغة العربية، لكنه حضر في عناوين خطب ومحاضرات. أشهرها خطبة الجمعة في الحرم المكي في الثاني والعشرين من ربيع الآخر عام 1422. إذ خطب إمام الحرم المكي الشيخ صالح بن حميد: “لا بد في الأمة من شموخ لا يحني هامته لإغراءات وضع اقتصادي طارئ، أو آليات سوق عابر، أو مكاسب وقتية، عاقبتها الهلاك والدمار، والذوبان والاندثار.”
عزلة ورعب
من اللغات التي انقرضت لغة شاميكورو. وقد كانت السيدة المسنة ناتالياسانغاما آخر من تحدث بها، وحفظ عنها أنها كانت تردد قبل أن تموت: “أحلم بلغة شاميكورو ولكن لا يمكنني أن أحكي أحلامي لأحد، لأن أحداً لا يتكلم لغتي، أشعر بالوحدة لأنني آخر من بقي”. كم هو مؤلم ألا تستطيع أن تجد من يمكنك أن تحكي أحلامك له، إنه شعور يقترب من العزلة، يقترب من الرعب، لقد كانت تلك السيدة تبحث عن حقها في ممارسة حياتها اللغوية التواصلية بلغتها الحقيقية، لقد كانت تبحث عن شيء يسمى الأمن اللغوي.
فَقَد الأمن اللغوي قارئ مثقف تنقل بين مكتبات عدة في بلد عربي، بحثا عن كتب عربية، فوجد أن الكتاب العربي أزيل من على الرفوف في بعض المكتبات، وتراجع إلى زوايا غير مرئية في مكتبات أخرى، وقبع في المستودعات في مكتبات أخرى، واختفى من قاعدة بيانات مكتبات أخر.
فَقَد الأمن اللغوي أب يطلب من أبنائه أن يقرأوا صفحة من المصحف، أو من كتاب عربي، فتتلعثم الألسنة، وتضطرب الأفهام، لكنهم أمام نص باللغة الإنجليزية فصحاء منطلقون.
فَقَد الأمن اللغوي أطفال عرب لكن هويتهم ليست كذلك، إن بسبب أم أو مربية أجنبية، أو العيش في بيئة غير عربية، أو الدراسة في مجتمع مدرسي يتبع منهجا عالميا من الغرب أو من الشرق.
جاء في وثيقة الحقوق اللغوية التي صدرت عن اليونسكو في 20 تشرين الأول 2005م: “ان اللغة ليست أداة للاتصال واكتساب المعرفة فقط، بل هي أيضا مظهر أساس للهوية الثقافية ووسيلة تعزيزها إن للفرد أو الجماعة”.
من الانتحار إلى الأمن اللغوي
الدكتور عبد السلام المسدي، لغوي ومفكر تونسي، له إسهام في الإدارة والسياسة، فقد عمل وزيرا للتعليم وسفيرا لبلده. وضع خلاصة سنوات بحثه ونضاله الطويل دفاعا عن اللغة العربية في كتابين. فنشر قبيل الربيع العربي كتابه (العرب والانتحار اللغوي)، وكتب بعده كتابه (الهوية اللغوية والأمن العربي). قرأت الكتابين، وتولدت عندي قناعة أن فقد الأمن اللغوي سيؤدي إلى الانتحار اللغوي، أو ربما الاغتيال اللغوي . وأن اللغة أمن.
وقف المسدي عند مقاربة الباحث الألماني فلوريان كولماس في كتابه (اللّغة والاقتصاد) التي قرر فيها أن انقراض اللّغات وموتها يعود إلى أمرين: «إرادة البشر المتكلّمين باللّغة من جهة، وخصائص اللّغة في ذاتها من جهة أخرى” وقد درس كولماس مصطلحات موت اللغة، والاغتيال اللغوي، والانتحار اللغوي، والإبادة اللغوية. فاستعار المسدي منه بعض مصطلحاته، وفرق بينها، ثم بين أنَّ واقع اللّغة العربيَّة “يكشف عن حالة أخرى غير هذه وغير تلك؛ وذلك حينما لا يكون المغتال طرفاً خارجيَّاً، وحينما لا يكون في منظومة اللّغة ما يجعلها تهترئ فتتفكَّك وتنحلّ حتى نتحدث عن انتحارها، وإنَّما يتعمَّد أهل اللّغة إطفاء رحيق لغتهم كما لو أنَّهم يئدونها وأداً بطيئاً، فيكونون هم المنجزين للانتحار اللّغوي من حيث ينحرون لغتهم”. (المسدي، العرب والانتحار اللّغوي، ص ص 13-14) وهذا توصيف أو استشراف مأساوي، رأى المسدي في كتابه التالي أنه “لن يندم العرب على شيء كما قد يندمون على أنَّهم لم يلبّوا نداء لغتهم وهي تستجير بهم”. (عبد السَّلام المسدي، الهويَّة العربيَّة والأمن اللّغوي، ص 14)
حين كنت أسأل عن حال العربية مع لغتهم، أستعير جملة الفرزدق الشهيرة: “قلوبهم معك وسيوفهم عليك” فلا أُبين ولا أُفهَم. حتى قرأت للمسدي قوله: “إنَّ علاقة العرب بلغتهم تنطوي على مفارقة عجيبة؛ من أهمّ تجلّياتها أنَّ أصحاب القرار يتبنَّون في شأن المسألة اللّغويَّة خطاباً يستوفي كلَّ أشراط الوعي الحضاري، ثمَّ يأتون سلوكاً يجسّم الفجوة المفزعة بين الذي يفعلونه والذي قالوه».
إن معالجة المسدي لمصطلح الأمن اللغوي فيها من العمق ما فيها، فهي تثير تساؤلات مثل: ما الدَّور الذي تنهض به اللّغة في تحقيق النهوض والتنمية الفكريَّة والاقتصاديَّة؟ وكيف يؤدّي تحقيق الأمن اللّغوي إلى الدّخول في مجتمع المعرفة وتجاوز طور الاستهلاك والتبعيَّة؟ وهل تقتصر مسألة الأمن اللّغوي على تجاوز التهديدات التي تفرضها العولمة؟ وهل نحتاج إلى وعي جديد أو جرأة سياسيَّة وقرارات ومشاريع واضحة لحماية أنفسنا انطلاقاً من حماية لغتنا؟
ومن تونس إلى الجزائر، حيث يطل علينا كتاب للغوي الدكتور صالح بلعيد، أسماه (الأمن اللغوي) . قال في مقدمته: ”لقد شغلت بموضوع الأمن اللغوي، على غرار ما انشغل رجال البيئة بحماية الكرة الأرضية… فإذا كان الناس يشكون من هذا الفساد الذي سببه الإنسان في الطبيعة، فذات الشخص له آثاره السلبية على اللغة التي هي أداة تواصله. بحث بلعيد عن الأمن اللغوي في رجالات العصر من المنافحين عن العربية ومصممي مشاريع نهضتها، كالباحث المثابر عبد الرحمن الحاج صالح، وقبله محمد البشير الإبراهيمي، ومولود قاسم. كما يعقد فصولا لمشاريع يرى أنها ضرورية للأمن اللغوي العربي كمشروع المعجم التاريخي للغة العربية، ومشروع الذخيرة اللغوية، وفكرة الجمعيات المدنية ودورها في تعزيز الانتماء اللغوي.
ما أشد إعجابي بهذا الكتاب الذي لا أنكر من أمره شيئًا إلا أنه لم يُكتَب بالعربية! وكان خليقًا أن يُكتَب بها، ولكن هذا عيب لا يُؤخَذ به الكاتب، وإنما يُؤخَذ به الاستعمار، وما أكثر ما يُؤخَذ به الاستعمار من العيوب والذنوب!
في كتاب “العرب والانتحار اللغوي” وصل المسدّي إلى الخلاصة في العلاقة بين الهوية والأمن اللغوي مستنتجا أنه” ليس من سبيل إلا الأخذ بأسباب التنمية بالاعتماد على لغة قومية تجمع ولا تفرق، وتوصل ولا تستأصل، وتستزرع ولا تجتث”. وأتساءل عن الثنائية بين عنواني الكتابين (الانتحار اللغوي/ الأمن اللغوي). تضاد لا يعترف بالمنطقة الوسطى، فإما أن نحقق الثاني أو نذهب إلى الأول.
الانتحار اللغوي سلوك فردي وبإقرار أو قرار مجتمعي. إن التخلي عن اللغة والإهمال المتعمد يقودان إلى الجهل، والجهل يعزز من موقعهما. دائرة متصلة، ترتبط الأسباب بالنتائج والمقدمات بالخواتيم. فإن سادت حلقات هذه الدائرة فقد أحكم ربط الحبل وشدت عقدته. وهذا لعمري انتحار ناجح.
والأمن اللغوي قد يكون قرارا سياديا أو سلطة قانونية أو مرسوما ملزما. لكنه قبل ذلك معرفة علمية والتزام شخصي. المعرفة تقود إلى التمكن، والالتزام يقود للتمكين. فإن تحقق للفرد لسان مكين مبين، وللغة حضور مجتمعي وتمكين فهذا لعمري هو الأمن اللغوي.
شمولية المصطلح
يختزل مفهوم الأمن اللغوي في ثناياه كل ما أنتج من مصطلحات أظهرها استشعار الخطر المحدق باللغة، واستشراف الأفق الأرحب الذي تستحقه، فهو يتضمن الدفاع كما في الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية التي أسست سنة 1990، والرعاية كما في جمعية لسان العرب لرعاية اللغة العربية التي أسست في مصر سنة 1992، والحماية كما في جمعية حماية اللغة العربية التي أسست في الإمارات سنة 1999، والتمكين كما في لجنة تمكين اللغة العربية في سوريا سنة 2007، والخدمة كما في مركز الملك عبدالله لخدمة اللغة العربية الذي أسس في المملكة العربية السعودية سنة 2005، والنهوض كما في المنظمة العالمية للنهوض باللغة العربية التي أسست في قطر سنة 2013، ناهيك عن الحفاظ والمحافظة.
إن التأمل والتفكر في الفكر الإداري اللغوي لا يمكن أن يتجاوز مسألة الوقوف عند دلالات التوصيف المقدم لطبيعة العمل الإداري للغة العربية، بدأ بالدفاع وهو أقرب المراحل للهزيمة، وانتهى بالنهوض وهو أول مراحل اليقظة، وفي العقد الأخير من القرن الماضي كان مصطلحا الرعاية والحماية هما الأكثر حضورا، إلى أن ظهر مصطلح التمكين، وهو من القوة بمكان، لكنه لم يمكن لنفسه، وظهر مصطلح الخدمة يحمل شيئا من التواضع، ثم بدأ الفكر اللغوي الإداري يميل إلى استخدام مصطلح النهوض.
ينتقد بعض مفكري اللغة استخدام مصطلح الأمن اللغوي، ويتوجس بعضهم منه. يرون فيه ابتعادا عن العلمية إلى السلطوية، أو قد يرون فيه دخولا لمجال سيادي، أو مفردة محظورة مرهوبة، وهم بهذا يغفلون عن استخدام ثري ومتنوع يشمل فيما يشمل الأمن المجتمعي والأمن الغذائي والأمن المائي، والأمن الفكري، والأمن البيئي. فالأمن مصطلح شامل واسع، وتأتي قوته من تنوع مكوناته وتكاملها.
ويرى المخالفون أيضا في المصطلح بعدا عن العمل المجتمعي والعلمي، وقربا من السلطة، وهم بهذا يغفلون عن مطلب مهم للغة العربية وهو حاجتهم إلى قرار سيادي، ودعم سياسي، ولنقل بشيء من التحديد أمني.
ما مظاهر فقدان الأمن اللغوي؟
هل جربت أن تكون كفؤا في تخصصك، ملمًّا بكل فكرة فيه، مطلعا على أدق تفاصيله، ثم يطلب منك أن تتحدث فيه بلغة لا تتقنها؟ وهل تعتقد أن الأمر سيكون أسوأ إن كنت في اجتماع يدار بلغة لا تتقنها؟ يعرف هذا الشعور من اختبره وجربه. مشاعر القلق، وإحساس فقدان الثقة في العقل، وانهيار الوعي الذاتي أبرز ما يمكن أن تخلفه هذه التجربة من مشاعر على الشخصية. وما هذه المشاعر إلا أعراض لفقدان الأمن اللغوي.
حين تكون متحدثا بالعربية في مجتمع لا يتوقعها ولا يعدها معيار تواصل مهني سيترسخ لديك اعتقاد بأن خطابك يفتقر إلى المعايير المفهومة والشكل اللغوي المتوقع من قبل المجتمع. ولذا فإن صيغة الإعلان التي تشترط إتقان اللغة الإنجليزية في كل وظيفة أو ترقية أو منحة دراسية تسهم في ترسيخ شعور الإحساس بضعف الشخصية، وتكون مبررا لتكدس أعداد كبيرة من أفراد المجتمع ذوي الكفاءة المهنية والعلمية في طوابير البطالة أو الجمود المهني.
يروي أحدهم أنه ذهب لإكمال دراسته في بريطانيا وألحق أبناءه في مدرسة الحي الذي يسكن فيه، ولم يكد اليوم الأول ينتصف حتى تلقى اتصالا من المسؤولة عن شؤون الطلبة، تستدعيه للحضور لأنها لاحظت على الولد حالة من فقدان الأمن والخوف الدائم والشعور بالعزلة، ورجحت وجود تعنيف أسري. لكنها بعد الجلوس مع الوالدين شخصت الحالة بأنها فقدان للأمن اللغوي. وكان الحل بسيطا، دروس مركزة في اللغة أخرجت الطفل من القلق إلى الثقة، ومن العزلة إلى التواصل، فتحقق الأمن اللغوي.
إن فقدان الرابطة اللغوية سيضعف كل رابطة بعدها، وسيمحو الهوية، وكما كتب د. عبدالله البريدي ذات يوم: “اللغة هوية ناطقة”.
لقد عد السياسي الألماني «بسمارك» اتخاذ الجاليات الألمانية في شمال أميركا اللغة الإنجليزية لغة رسمية أفظع الأحداث التي حدثت في القرن الثامن عشر. وعلل ذلك بأنه كان سببا لوقوف الولايات المتحدة الأمريكية مع الإنجليز في الحربين العالميتين الأولى والثانية، مفترضا أنه لو اختارات الجاليات الألمانية عند استقلالها اللغة الألمانية بدلاً من الإنجليزية، فإن ذلك كان كافيا ليضمن ولاءها لألمانيا.
انعدام الأمن اللغوي مصطلح نظر له العالم الأمريكي ويليام لابوف في الستينات، ارتبط في الأصل بشعور الدونية الثقافية، أو احتكار لهجات معينة الصواب، أو الطبقية اللغوية في المجتمع، لكنه على مستوى اللغة العربية يتخذ محاور أخرى، فتظهر مصطلحات أكثر قتامة مثل: العدمية اللغوية، أو الخيبة اللغوية، أو الفجوة اللسانية أو الفقر اللغوي. وصولا إلى ما يسمى الفوضى اللغوية. وربما يكون من أدخل المصطلح في الحياة الثقافية العربية خطيب الحرم المكي الشيخ صالح بن حميد الذي خطب من على منبر المسجد الحرام في 22 ربيع الثاني 1422 قائلا:
” لا بد للأمة من شموخ لا يحني هامته لإغراءات وضع اقتصادي، أو آليات سوق عابر، أو مكاسب وقتية عاقبتها الهلاك والدمار، والذوبان والاندثار. إن الحل والسلامة، والحصانة والمشاركة الحقيقية في البناء، وسلوك مسالك التقدم الصحيح والنظيف هو بالتصدي لخطر الإذابة بالعمل المنظم الجاد، بعيدا عن الشعارات الجوفاء، والكتابات الخرساء، عمل جاد يكسب المناعة ضد محاولات الإذابة وطمس الهوية، ومن ثم المشاركة في البناء ومعطيات الحضارة الصالحة النافعة”.
آمنا في لغتي، وعليها.
لم يجد العالم في محنة وباء كوفيد ملاذا آمن من التحصين. منهم من لجأ للقاحات ومنهم من اعتمد على مناعة القطيع ومنهم من اكتفى بالاحتراز والوقاية. وكان المقصد هو تحقيق الأمن الصحي والسلامة البدنية. فماذا عن الأمن اللساني والسلامة اللغوية!
التحصين اللغوي والمناعة اللغوية والوقاية اللغوية ستكون كافية لتحقيق الأمن اللغوي. لكن لا بد من بيان وتفصيل للمصطلح عند نقلة من الحقل الصحي إلى الحقل اللغوي.
التحصين اللغوي وبأقل جرعة ممكنة له أثر فعال في غرس الاعتزاز باللغة وربطها بهوية المجتمع. فكيف لو كان بالجرعة الكاملة، والمدعمة، والمعززة، والموسمية. وهو يترجم من خلال برنامج مدروس لتأكيد الحضور الفاعل للغة العربية في مناحي الحياة كافة.
المناعة اللغوية تتحق باكتساب المهارة اللغوية استماعا وتحدثا وقراءة وكتابة. فكم هو بعيد عن أمن المجتمع لغويا إخفاق أفراده في التعامل مع النصوص المكتوبة تعاملا صحيحا. تلك مناعة لا بد أن تحقق في المجتمع. شخص أحدهم مهارات اللغة العربية لدى دفعة جامعية مستجدة، فرأى المهارات لم تكتمل، والمناعة لم تتشكل، فرفع علما أحمر للتحذير بأن الأمن اللغوي مخترق. وقد كان محقا.
الوقاية اللغوية أمر متصل بمؤسسات المجتمع دون استثناء. فمن الوقاية ألا يقدم نمو الاقتصاد على اضمحلال اللغة والهوية، وألا يراعي البروتوكول السياسي على حساب اللغة القومية، وألا يكون الترويج والتشويق مقدما على قواعد اللغة وذوق المجتمع ونقاء لغته.
الأمن اللغوي رؤية ورسالة وقيمة، وسيلة وهدف، إجراء وغاية، مؤشر أداء ومعيار تقييم، وهو إن تحقق فقد نجحت الخطة.
بهذه الخُطة نشفي غيظنا إن كان بالسيف أخو الغيظ اشتفى
بهذه الخُطة نرضي ربنا إن كان فينا طالب منه الرضا
بهذه الخُطة نبتاع العلى في الدين والدنيا ونستوفي المنى
بهذه الخُطة نرقى سلبا لغاية حض عليها ودعا