ملتقى العويس لأدب الطفل في الإمارات 15 نوفمبر 2023
حين يبحث الآباء لأطفالهم عن قصة أطفال، فإنهم يضعون ثقتهم بقصة يزين غلافها طابع ذهبي يدل على الفوز بجائزة أو تحقيق مبيعات عالية. لكن ماذا لو كانت القصة تشبّه الأم بتنينة غاضبة والأب بديناصور كسول؟ هذا ما حدث في القصة الفائزة بجائزة اتصالات لكتاب الطفل 2021 فئة الكتاب المصور، وعنوان القصة «ماذا لو وجدت تنينة غاضبة في بيتك؟».
جمالية القصة ورمزيتها
لا يمكن طبعًا أن أتجاوز طرافة الفكرة، وجمال الخيال، وروعة الرمزية، ورشاقة الأسلوب، وعلمية التوجيه، وجمال الرسم. ولكني لا أستطيع أن أغض الطرف عن القيم التربوية. وكم كنت سأكون سعيدًا لو أضفت إلى نقاط القوة في القصة عبارة «بنائية القيم». ولكن للأسف لم تكن القيم بناءة قط.
العلاقة الوالدية وحس الدعابة
أدرك أننا في عالم متغير. وأعلم أن طبيعة العلاقة الوالدية اعتراها كثير من التحول؛ تحول من الاحترام والهيبة والحزم إلى الندية والجرأة والمرح. لكن ما لم أدركه بعد -وقد قضيت أسبوعًا كاملاً وأنا أفكر في كتابة نقد للقصة- هو ما إذا كنت أفتقد إلى روح الدعابة وحس الفكاهة لأتمكن من تقبل فكرة أن تشبّه الأم بالتنينة والأب بالديناصور، رغم نبل الهدف وسموه، وجمال الأسلوب وروعته.
طفل اليوم لم يَعُد كما كنا، ونحن لم نعد كما كان آباؤنا. تقبّل كثير من الآباء هذه الفكرة، وأصبحوا على استعداد لأن يشبّههم أبناؤهم بالتنانين والديناصورات ما دام ذلك سيؤدي إلى اكتساب طرق التعامل معهم في حالة الغضب. وأصرَّ آخرون على أن تكون العلاقة قائمة على خفض جناح الذل لهما من الرحمة قولاً وفعلاً وإيماء. ولكل طريقته. ولا أعيب على التراثي أصالته ولا على الحداثي مرونته. لكن دعونا نعكس طرفي العلاقة لنتبين حدود المرونة.
ماذا لو قررت وأنا أخطط لكتابة قصة طفلية غير نمطية أن أشبّه الطفل بأرنب صغير رامزًا إلى نشاطه وسرعته، سيكون مقبولاً. أليس كذلك؟ ماذا لو قررت أن اختار أن أشبّهه بضفدعة عالية الصوت، كثيرة الطلبات، ملحاحة في تكرار الطلب من والدتها المشغولة. سيكون الأمر متقبلاً على مضض. إذن ماذا لو قررت أن أشبّه طفلاً صغيرًا يكتشف للمرة الأولى تجربة الحبو ويضع في فمه كل ما يجده أمامه بأفعى الأناكوندا. إنه رمز، ورمز مطابق، ولكن هل ما زال الأمر مضحكًا الآن؟ لماذا نتقبل ثلم مكانة الوالدين في سبيل الضحك والدعابة ونرفض الأمر ذاته حين نعكس طرفي العلاقة؟
تأثير الترجمة
حقيقة لا نماري فيها، أن أدب الطفل العربي الحديث تطور مع الاطلاع على النتاج العالمي والترجمة منه، وربما التأثر به، تأثر في أساليب الكتابة، ومدارس الرسم، وجرأة الأفكار، وتعدد الموضوعات، ولكن المجتمعات الواثقة تضع للتأثر حدودًا. على فرض أن الصورة النمطية للأم هي الغضب في المجتمعات العربية، وهذا أمر لا يمكن أن أجعله مثار خلاف، رغم أن قناعتي الشخصية أن هذه صورة نمطية غير قابلة للتعميم. لكن هل الصورة النمطية للأب في المجتمعات العربية أن يكون متكئًا على الأريكة؟ وواضح هنا طبعًا انتزاع هذه الصورة من البيت الغربي، وإذا كان من الضروري أن نبحث عن سلبية في سلوك الأب لنجد مبررًا لتشبيهه بحيوان مضحك، فيمكن أن نجد في صفة الغياب عن البيت الصورة المثالية، ونجد في قِط الشوارع التشبيه الأنسب. لكن يبدو أن الفكر المتأثر بالأدب المترجم يسيطر على خيال كتابنا وأفكارهم.
أدب الطفل العربي الذي نريد
الأدب قوة ناعمة، والمجتمعات الواثقة تصنع أدبها وفق قيمها. نقبل التمازج والتلاقي والتعايش، نؤمن بإنسانية الفكر ووحدة القيم، لكن مرجعنا في ذلك أصالة فكر وعراقة مجتمع.
د. علي عبدالقادر الحمادي
كاتب وناقد لأدب الطفل